حاشية الهامش

حاشية الهامش

في المقال السابق، توقفتُ عند حدود مفهوم الديمقراطية وبعض دلالاته، وكان المخطط أن أواصل الخوض في هذا الموضوع. لكنّ مستجدات فرضت وقفة، أرجو ألا تتجاوز إطار الحاشية، وهو أسلوب معروف عند الدارسين لشراح كتاب الشيخ خليل بن إسحاق المالكي. هذه المستجدات ترتبط بظواهر وتجاذبات أطلت برأسها من جديد، ما فتح الباب أمام تفريخ تيارات تكرّس الفرقة والانقسام، وهي تيارات سبق أن أُنفقت عليها جهود كبيرة وحُشد لها ما يكفي من الحب والتأييد لترك بصمات واضحة. إلا أن هذه البصمات، مع الأسف، لا تخدم التنمية، التي تعد مطلبًا اجتماعيًا عامًا وركيزة أساسية لكل توجه سليم.

 

إن الأزمات الراهنة التي يعاني منها العالم الرأسمالي ليست وليدة اللحظة، بل تضرب جذورها عميقًا في بنيته الأيديولوجية والمالية، أو بعبارة أشمل، في بنيته الاقتصادية. ولعل المتخصصين يجدون في هذا السياق ما يفسر تلك الأزمات بطريقة تعود بالنفع على أولئك الذين ما زالوا مبهورين بهذا النظام.

 

ما أود التنبيه إليه هنا، هو أن الأيديولوجيات التي خلّفت أحداث القرن الماضي انطباعًا بأنها في طريقها إلى الزوال، قد استعادت جزءًا من أمجادها وآمالها. وعاد مفكروها - وهم بلا شك يمتلكون كفاءات ونوايا حسنة في كثير من الأحيان - إلى الساحة بوعي ومنطق متجددين. بيد أن هذه العودة، سواء اعتبرناها بصيص أمل أو سرابًا خادعًا، لا ينبغي أن تُستخدم ذريعة لإحياء النزاعات القديمة التي تجاوزتها متطلبات الواقع المعاصر. ومع ذلك، فإن التاريخ لا ينسى؛ فهو سياق ذو ذاكرة حية ووثائق محفوظة.

 

وفي هذا السياق، ومع التزامي بخط التحفظ الذي رسمته لنفسي تفاديًا للوقوع في ما أعيبه على غيري، أجد من الضروري التنبيه إلى مؤشرات هجمة فكرية وإعلامية آخذة في التبلور. هذه الهجمة، التي تُطلّ تارة من تصريح هنا، وتارة من قلم هناك، تستغل الواقع الجديد للتشكيك في توجهات أسهمت في خلق وعي سليم كان من المفترض أن يُرسَّخ. إلا أن جهودًا منسقة، تتسم بمهارة في حبك الشائعات ونشرها، سعت إلى إشعال فتيل الفتنة ومنع مكونات المجتمع من التلاحم والاندماج.

 

ختامًا، لا بد من الإشارة إلى أن الأقوال والتصرفات في السياسة نادرًا ما تكون عفوية.

مدونات مشابهة

عرض المزيد